بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
وصية الإمام الحسن لأخيه الإمام الحسين عليهما السلام
رواية زياد المخارقي، رواها المفيد رحمه الله في الإرشاد:2/17 قال: وروى عبد الله بن إبراهيم عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن الوفاة استدعى الحسين بن علي عليهما السلام فقال:
يا أخي إني مفارقك ولاحق بربي عز وجل وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست ، وإني لعارف بمن سقاني السم ومن أين دهيت وأنا أخاصمه إلى الله تعالى ، فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشئ ، وانتظر ما يحدث الله عز ذكره فيَّ ، فإذا قضيت فغمضني وغسلني وكفني واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله لأجدد به عهداً ، ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها فادفني هناك .
وستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله صلى الله عليه وآله فيجلبون في منعكم عن ذلك وبالله أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم .
ثم وصى عليه السلام إليه بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين عليه السلام حين استخلفه وأهله لمقامه، ودل شيعته على استخلافه ونصبه لهم علماً من بعده .
فلما مضى لسبيله غسله الحسين عليهما السلام وكفنه وحمله على سريره ، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله صلى الله عليه وآله فتجمعوا له ولبسوا السلاح ، فلما توجه به الحسين بن علي إلى قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله ليجدد به عهداً أقبلوا إليهم في جمعهم ، ولحقتهم عائشة على بغل وهي تقول:
مالي ولكم تريدون أن تُدخلوا بيتي من لا أحب .
وجعل مروان يقول: يا رُبَّ هَيْجا هي خيرٌ من دعهْ ! أيدفن عثمان في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع النبي؟ لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف !
وكادت الفتنة تقع بين بني هاشم وبني أمية ، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له: إرجع يا مروان من حيث جئت ، فإنا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله لكنا نريد أن نجدد به عهداً بزيارته ، ثم نرده إلى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان وصَّى بدفنه مع النبي صلى الله عليه وآله لعلمت أنك أقصر باعاً من ردنا عن ذلك ، لكنه عليه السلام كان أعلم بالله ورسوله وبحرمة قبره من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه !
ثم أقبل على عائشة فقال لها:
وا سوأتاه ! يوماً على بغل ويوماً على جمل ، تريدين أن تطفئي نور الله ، وتقاتلين أولياء الله ؟! إرجعي فقد كفيت الذي تخافين وبلغت ما تحبين ، والله تعالى منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين .
وقال الحسين عليه السلام : والله لولا عهد الحسن إليَّ بحقن الدماء وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا !
ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها وأسكنها جنات النعيم.(وروضة الواعظين/167، والمستجاد/147، وإعلام الورى:1/414 وفيه: زياد المحاربي والصحيح المخارقي ) .
* الإمام الحسن عليه السلام يوصي أخاه محمد بن الحنفية
في الكافي:1/301: عن الإمام الصادق عليه السلام قال:لما حضرت الحسن بن علي الوفاة قال:
يا قنبر أنظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمد عليهم السلام ؟
فقال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني ، قال: أدع لي محمد بن علي ، فأتيته فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلا خير؟
قلت: أجب أبا محمد فعجل على شسع نعله فلم يسوه وخرج معي يعدو ، فلما قام بين يديه سلَّمَ فقال له الحسن بن علي:
أجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الاحياء كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض ، أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم عليه السلام أئمة ، وفضل بعضهم على بعض ، وآتى داود عليه السلام زبوراً ، وقد علمت بما استأثر به محمداً .
يا محمد بن علي، إني لاأخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين ، فقال الله عز وجل: كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ، ولم يجعل الله عز وجل للشيطان عليك سلطاناً .
يا محمد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك ؟
قال: بلى ، قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يَبُرَّني في الدينا والآخرة فليبرَّ محمداً ولدي !
يا محمد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك .
يا محمد بن علي، أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ، ومفارقة روحي جسمي ، إمامٌ من بعدي ، وعند الله جل اسمه في الكتاب ، وراثةً من النبي أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه ، فاصطفى منكم محمداً واختار محمد علياً واختارني علي بالإمامة واخترت أنا الحسين .
فقال له محمد بن علي: أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد صلى الله عليه وآله والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإن في رأسي كلاماً لاتنزفه الدلاء ولاتغيره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم ، أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل ، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ويد الكاتب حتى لايجد قلماً ، ويؤتوا بالقرطاس حمماً ، فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله .
الحسينُ أعلمنا علماً ، و أثقلنا حلماً ، وأقربنا من رسول الله رحماً ، كان فقيهاً قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله في أحد خيراً ما اصطفى محمداً صلى الله عليه وآله ، فلما اختار الله محمداً واختار محمد علياً واختارك علي إماماً واخترت الحسين ، سلمنا ورضينا . مَنْ بغيره يَرضى؟ ومن غيره نَسْلَمُ به من مشكلات أمرنا . انتهى.
جواهر التاريخ 3 / للشيخ : علي الكوراني