بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف وعجّل فرجهم يا كريم...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نسبه :
هو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
وأمه فاطمة بنت عمرو من بني مخزوم.
ألقـابـه
أشـهرها: شيخ البطحاء، شيخ الأباطح، ومؤمن قريش.
نشـأتـه
نشأ أبو طالب في بيت كريم ورأى في أبيه عبد المطلب ذلك الزعيم المطاع والرجل المهوب والذي لُقب بالفيّاض ومطعم طير السماء وهو مرضيٌّ عنه في السماء ومحمود في الأرض فدُعي "شيبة الحمد"، وهو عميق الإيمان لم يفارق الحنيفية البيضاء ولم يخالجه الشك في ما جاءت به ملة إبراهيم عليه السلام وصدق دعوته التي وحد فيها الرب الأعظم، فهو يرفض أن يسجد لصنم، وإنه ليُحرّم الخمر على نفسه ويحرّم نكاح المحارم، ويحدد الطواف بالبيت سبع مرات بعد أن كان غير محدودة ويحرم الزنا وينهى عن الموؤدة، وأن يؤكل ما ذُبح على النُّصب ويسن الوفاء بالنذر…… ويجيء الإسلام فيُقر كل هذه السنن التي سنّها عبد المطلب.
وإن أبا طالب ليسمع أباه في نجواه يوم جاء أبرهة لهدم الكعبة:
"اللهم أنيس المستوحشين ، ولا وحشة معك فالبيت بيتك ، والحرم حرمك والدار دارك ، ونحن جيرانك ، إنك تمنع عنه ما تشاء ، ورب الدار أولى بالدار".
ثم أنشأ يقول:
ياربّ لا أرجو لهم سـواكا
يارب فامنع منهمُ حِـماكا
إن عدوّ البيت مَن عـاداكا
إمنعهمُ أن يخربوا فـناكا
شـخصيـته
كان الشخصية الأولى التي تحفل بكل مقومات الزعيم بعد أبيه وانتهج منهجه بعد وفاته، وورث منه ملامحه وخصائصه، فقام بواجبه من سقاية الحاج، وكان المعطاء بغير منّة، والوَصول للرحم، ذو العقل الراجح والنظر البعيد، وله بالتشريع دراية وقد حرّم الخمر على نفسه قبل أن يحرمها القرآن الكريم.
(..عن الصادق عليه السلام عن آبائه أن أمير المؤمنين علي عليه السلام كان جالساً في الرحبة والناس حوله فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله وأبوك معذب في النار . فقال عليه السلام : مه ، فض الله فاك ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً ، لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله فيهم ، أبي يعذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار؟؟
والذي بعث محمداً بالحق إن نور أبي طالب ليطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار : نور محمد، ونور فاطمة، ونور الحسن، ونور الحسين، ونور ولده من الأئمة ، ألا إن نوره من نورنا خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام ) (بحار الأنوار ج35ص69رواية3باب3).
زواجـه من فاطـمة بنت أسـد:
تزوج أبو طالب من فاطمة بنت أسد بن هاشم التي تجتمع معه في النسب في هاشم، وكانت من الهاشميات الفواضل في الكمال والتربية ولم يتزوج غيرها، وقد قال حين خطبها:
"الحمد لله رب العالمين . رب العرش العظيم والمقام الكريم والمشعر والحطيم الذي اصطفانا أعلاماً وسادة وعرفاء خلصاً وقادة………… وقد تزوجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر وأنفذت الأمر فاشهدوا.."
.. فقال أسد ابوها: "زوجناك ورضينا بك..". وأطعم الناس أبو طالب سبعة أيام متتاليات.
كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، فلما أنزل الله سبحانه:
(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ...)(الممتحنة/12).
دعا النبي النساء إلى البيعة وكانت هي أول امرأة بايعت رسول الله وهاجرت معه إلى المدينة، وحضرت معه بدراً، ثم مرضت وجعلت النبي وصياً عليها، وعند وفاتها تولى النبي دفنها بنفسه وألبسها قميصه واضطجع في قبرها وأنشأ يبكي ويقول:
"جزاك الله خيراً لقد كنت خير أم… إنه لم يكن بعد أبي طالب أبر بي منها………… إني ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها ضغطة القبر".
وقد أنجب أبو طالب من الأولاد الذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي وهو أصغرهم سنّا، وبنتا وهي أم هاني.
::: شـعب أبـو طـالب :::
لمّا فشلت قريش في محاولاتها مع أبو طالب، أخذوا يؤذونه بإيذاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حينئذ أمر أبو طالب بني هاشم وبني عبد المطلب بأن يدخلوا مع النبي إلى الشعب ليكونوا بعيدين عن تهجمات قريش.
فقررت قرش ضرب نطاقا من الحصار السلمي الاقتصادي على شعب أبي طالب وعلقوا صحيفة على الكعبة بأن يكونوا يداً واحدة على بني هاشم والمطلب لا يهادنونهم ولا يقبلون منهم صلحا ولا يتناكحون وإياهم ولا يبيعون إليهم ولا يبتاعون منهم.
وهنا يتجلّى إيمان أبي طالب فقد أبلى وخديجة البلاء الحسن في تدبير الغذاء والقوت الضروري لمدة ثلاث سنوات إلى أن أخبرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله قد سلط الأرضة على الصحيفة فأكلتها وأرغمت قريش عندها على رفع الحصار وعادت لهم الحياة في مجراها الطبيعي.
فهذه الحادثة أبرز برهان على إيمان أبو طالب وتصديقه برسالة رسول الله بدرجة لا يشوبها شك ولا خوف.
::: وفـاة أبـو طـالـب :::
عند احتضار أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة النبوية أوصى بوصايا أشرك فيها وجهاء قريش، وهي وصايا لا تصدر إلا عن مؤمن عميق له إحاطة بباطن التشريع وأسراره.
أوصاهم بالكعبة وتعظيمها لأنها من شعائر الله…
أمرهم بصلة الأرحام ونهى عن قطعها..
نهاهم عن البغي والعقوق فهما معولا هدم المجتمع..
أمرهم بإجابة دعوة الداعي وإعطاء السائل فهما يضمنان شرف الدنيا والآخرة..
أمرهم بصدق الحديث وأداء الأمانة فهما دليلان على رفعة النفس وطهارة الضمير..
وكل هذه فروض إسلامية جاء بها دين الله الذي اختار لأدائه ابن أخيه وربيبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الجامع لكل الخصال التي أوصى بها. فإنهم إن سلكوا مسلكه وأخذوا بهديه كان الرشد إلى جانبهم وكانوا من السعداء:
"لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمدٍ وما اتبعتم أمره، فاتبعوه وأعينوه ترشدوا"
.. ضاقت الدنيا بوجه النبي واعترض نعش عمه حزيناً كئيباً وقال:
"وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ونصرت وآزرت كبيراً.. وا أبتاه.. وا طالباه.. وا حزناه عليك يا عمّاه.. كيف أسلو عنك يا من ربيتني صغيراً وحميتني كبيراً وكنت عندك بمنزلة العين من الحدقة والروح من الجسد.."
إنّ من العار على الإسلام والمسلمين أن يكون إسلام أبي طالب موضع جدال أو شك بين المسلمين أنفسهم.. فلولا العقيدة والإيمان المتمكنان في قلب أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) لما كفل وحفظ وحمى وضحّى وجاهد في سبيل رفعة دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة أو تزيد.
المصادر:
السيرة النبوية الشريفة(أحمد مغنية-صالح التاروتي)
أبو طالب مؤمن قريش(عبدالله الشيخ علي الخنيزي)
إيمان أبو طالب(شمس الدين أبي علي الموسوي)
بحار الأنوار